', {'anonymize_ip': true, 'store_gac': false, 'cookie_expires': 13 * 30 * 24 * 60 * 60});', {'anonymize_ip': true, 'store_gac': false, 'cookie_expires': 13 * 30 * 24 * 60 * 60});
ابو اسماعيل المصرى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ابو اسماعيل المصرى

كل ما يهم المسلم فى امور حياته
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 جبران.. شجرة الأرز السامقة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوحبيبه
Admin
ابوحبيبه


المساهمات : 215
تاريخ التسجيل : 08/04/2008
العمر : 37

جبران.. شجرة الأرز السامقة Empty
مُساهمةموضوع: جبران.. شجرة الأرز السامقة   جبران.. شجرة الأرز السامقة I_icon_minitimeالأحد 20 أبريل 2008, 4:08 am

جبران كان صوتا متفردا في البرية. شاعر وفيلسوف ومتصوف كتب بالعربية والإنجليزية وخلف وراءه تجربة فكرية وروحية مازلنا نتذكرها حتى الآن كانت بشرّي وما يحيط بها من ربوع في شمالي لبنان مرتعًا لصبا جبران، ومسرحًا لشبابه، ومجالاً لبواكير شعره. وكانت غابة الأرز المقدسة تهيمن على تلك الأنحاء. وعندما هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1894 أصبح هذا الجزء من لبنان محطًا لأشواقه ومنبعًا لإلهامه لا ينضب ولا يغور.

«أنا أيضًا أذكر تلك البقعة الجميلة من شمال لبنان، فما أغمضت عيني عن هذا المحيط، إلا رأيت تلك الأودية المملوءة سحرًا، ورحبة، وتلك الجبال المتعالية بالمجد والعظمة نحو العلاء». (الأجنحة المتكسرة).

وكانت الربوع المحيطة ببشري تفتن عقل جبران وتهيج أحلامه: شجرات الأرز العتيقة، وادي قاديش الساحر، العيون والينابيع والشلالات لا حصر لها، وصنين وفم الميزاب في المؤخرة يتكئان على كتف السماء. إنهما ليوحيان بالهيبة والوقار وإنهما ليهمنان على البحر وعلى السماء. ذلك هو المشهد الذي أضرم من الشاعر عقله في بادئ الأمر، وتلك هي بشري التي تبدو وكأنها لم تصبها بعد تلك القوى التي لا تفتأ تمسح عن أمريكا بهجة الريف:

«فنحن الذين صرفوا معظم العمر في المدن الآهلة نكاد لا نعرف شيئا عن معيشة سكان القرى والمزارع المنزوية في لبنان، قد سرنا مع تيّار المدنية الحديثة حتى نسينا أو تناسينا فلسفة تلك الحياة الجميلة البسيطة المملوءة طهرا ونقاوة، تلك الحياة التي إذا ما تأملناها وجدناها مبتسمة في الربيع، مثقلة في الصيف، مستغلة في الخريف، مرتاحة في الشتاء، متشبهة بأمها الطبيعة في كل أدوارها. نحن أكثر من القرويين مالا وهم أشرف منا نفوسًا.

نحن نزرع كثيرًا ولا نحصد شيئًا. أما هم فيحصدون ما يزرعون. نحن عبيد مطامعنا وهم أبناء قناعتهم. نحن نشرب كأس الحياة ممزوجة بمرارة اليأس والخوف والملل، وهم يرتشفونها صافية». (عرائس المروج).

كانت ذكريات بشري والريف اللبناني تملأ رسائل جبران، وتُفعم أحاديثه مع أصدقائه، وتضفي على كل ما يكتسبه مختلف الألوان. وقد بقيت بشري والأرز مطبوعين في خياله حتى آخر لحظة من حياته:

«وأجمل ما في هذه الحياة.. هو أن أرواحنا تبقى خفّاقة مرفرفة فوق الأماكن التي تمتعنا فيها بشيء من اللذة. وأنا من الذين يحفظون ذكرى الأشياء مهما كانت بعيدة ودقيقة ولا يدعون خيالاً من خيالاتها يضمحلّ مع الضباب، وقد يكون احتفاظي بأشباح الأيام الغابرة سببًا لكآبتي وانقباضي في بعض الأحايين، ولكني لو خُيّرتُ لما أبدلت بأحزان قلبي أفراح العالم كله» (رسائل جبران).

إنه ليسعد في تلك الجبال والربى، وبين تلك العيون والشلالات، وفي تلك الأيك متمتعًا «بغبطة الحرية» تملأ الأخيلة من طفولته والأحلام. بالنسبة إليه كان ذلك زمانًا كانت فيه «الطبيعة معلمة ابن آدم، والإنسانية كتابه، والحياة مدرسته».

كل شيء كان يؤدي رسالته: الكهوف البعيدة ترجع صدى أناشيد التسبيح والانتصار، والضباب والسحاب، والأرض والثلج، والطير والوحش،والزهر والشجر والورق، كلها تنطق بكلمة الحياة.لقد دعي إلى وليمة الحياة الكبرى «فاستفاقت القرى المتكئة بهدوء وسكينة على كتفي الوادي وترنمت أجراس الكنائس وملأت الأثير نداء مستحبا معلنة بدء صلاة الصباح،فأرجعت الكهوف صدى رنينها، كأن الطبيعة بأسرها قامت مصلية».

كان عالم طفولته مليئا بالصمت، حيث كان يسمع أناشيد العصور وترانيم الجلد تبوح بأسرار الغيب. لم يؤخذ جبران بمكان كما أخذ بهذا المكان. فلقد كانت ربوع الأرز وما جاورها تتحد بالتاريخ والأساطير اتحادًا حميمًا، وكانت مسحًا لتلك المعارك الطاحنة التي دارت رحاها بين الآلهة ومن كان يقاتلها من الإنس. ففي جوار الأرز نشأت المدنيات منذ ما قبل التاريخ ليتبعها الفينيقيون والمصريون القدماء والكلدانيون والآشوريون والإغريق والرومان والعرب:

«قد سرت في الأودية أخيلة الأجيال الغابرة، وحامت على الروابي أرواح الملوك والأنبياء، فانثنت فكرتي نحو مسارح الذكرى وأرتني عظائم الكلدانيين، وفخامة الآشوريين ونبالة العرب» (دمعة وابتسامة).

كيف يمكن لجبران أن تفوته أهمية تلك الربوع، وهو الذي نشأ مارونيًا كاثوليكيًا ملما بالكتاب المقدس، وكيف يمكنه أن ينسى ذلك التبجيل الذي أحاطت به النصوص المقدسة لبنان والأرز عند ذكرها لهما، وكيف يمكنه أن ينسى ذلك البناء الرمزي الذي جاء به هذا الذّكرُ تعبيرًا عن القوة، ودلالة على الخلود. إن صرخة نبي المزامير في مزمور يسبح به الرب لتربط شجرة الأرز بهذه الأرض، ولتربطهما معًا بالله إلى أبد الدهر: «تشبع أشجار الرب أرز لبنان الذي نصبه». إنها التوراة، في غير هذا الموضوع كذلك، تجعل من اسم لبنان، مسقط رأس جبران، اسمًا مرادفًا للجمال: «طلعته كلبنان، فتى كالأرز».

حب الوطن.. حب العالم

لقد أحب جبران وطنه هذا منذ نعومة أظفاره، ولقد نما هذا الحب في قلبه عبر السنين، وأصبح وجده الأكبر في الحياة، وأخذ هذا الحب في قلبه ينمو ويتسع حتى احتوى جميع العالمين.

«أتشبب بذكر مسقط رأسي وأشتاق إلى بيت رُبيت فيه.. أحب مسقط رأسي ببعض محبتي لبلادي، وأحب بلادي بقسم من محبتي لأرض وطني. وأحب الأرض بكلّيتي لأنها مرتع الإنسانية روح الألوهية على الأرض». (دمعة وابتسامة)

وإذا بلبنان والأرز، في نظر جبران سيان، كل يدل على ما يدل عليه الآخر. لم يقدرهما جبران لما هما عليهما في ذاتهما، وأنما قدّرهما لما يدلان عليه، ويوحيان به، ويشيران إليه،. لم يكن لبنان في نظره، اسمًا لجبل من الجبال، وإنما كان «لفظة» شعرية لا اسم جبل. إنه لقادر على أن يوحي بامتدادات من المعاني تكاد لا تحد. أما كلمة الأرز فلقد أصبحت عنده تدل على ما يسميه «دوام الحياة»، فإذا هي تثير فيه توقًا روحيًا أشبه بشيء بالنشوة الدينية.

«الربيع جميل في كل مكان ولكنه أكثر من جميل في لبنان، الربيع روح إله غير معروف تطوف في الأرض مسرعة وعندما تبلغ لبنان تسير ببطء متلفتة إلى الوراء مستأنسة بأرواح الملوك والأنبياء الحائمة في الفضاء مرددة مع أرز لبنان تذكارات المجد القديم». (الأجنحة المتكسرة).

وأظلت أغصان الأرز المقدسة وادي قاديشا (أي الوادي المقدس)، ذلك الوادي الذي يتصل اسمه باسم مار مارون شفيع لبنان. ففي هذه الربوع، وفي زمن للمسيحية مبكر، وجد هذا القديس أتباعه الذين دافعوا عن قضيته، والذين اتخذوا الآرامية، لسان يسوع لغة لشعائرهم، ثم أنشأوا طقوسًا وترانيم دينية لاتزال إلى اليوم من أجمل ماأعطاه العالم من موسيقى. وفي المكان عينه الذي وجد لبنان فيه ميلاده الروحي، كان أدونيس يزور في مواسم له لبنانه الوثني. كان يترك جبل الأولمب في الربيع ويعود إلى تلك الربى التي شهدت مولده في جوار الأرز المقدس. وكم كان جبران يعجب من رؤية فتيات النصارى يرمين بتويجات الزهر في الينابيع التي تترنم في طريقها إلى البحر. وكانت تلك الفتيات يجهلن أنهن بفعلهنّ ذلك يحتفلن بعودة أدونيس من عالم الموت. كان هذا الاسم فينيقي الأصل (من «أدون» أي الرب). وأدونيس هو نفسه تموز. إن جدود جبران ليغنون مرة أخرى هذا العالم بهذا الرمز الإنساني الخالد. إنهم ليربطون بهذا الرمز يونان القديمة وفينيقيا معًا.

عند جبران يتحد الشرق والغرب، والوثني والمسيحي، والقديم والحديث والأمس واليوم. وإن ذلك ليرسّخ إيمانه بوحدة الوجود. وتتضافر صور البعث الخالد للجمال والعاطفة في أدونيس مع رسالة المسيح الذي علّم كيف تكون المحبة التي لاتعرف أنانية. إن ذلك ليؤكد بدوره عقيدة جبران بقدرة المحبة الكلية على الشفاء. وإن هذه العقيدة لممتلئة حرارة وعاطفة وشعورًا.

أبناء لبنان

كانت بشري موطن عائلتي والد جبران ووالدته: جبران ورحمة. وكانت هاتان العائلتان تحتلان عنده عالمًا من المنجزات البطولية، عالمًا مثاليًا مؤلفًا من السلام والنظام تضارع هذه الفوضى في التاريخ المعاصر، وهذه الحضارة المادية التي وصفها بأنها «الحضارة الراكضة على دواليب». كان أقارب جبران، وبخاصة أمه، يتّصفون بتلك الصفات التي تجعلهم يحبون حياة تتمثل فيها جميع المثل الإنسانية التي كان يؤمن بها جبران. فلقد رأى في أبناء بشري وفي أبناء ما جاورها من المناطق، وهم الذين عرفهم إذ كان يافعًا، أبناء لبنان الأصائل الذين يضربون في مختلف ألوان الحياة:

ولكن قفوا قليلاً وانظروا لأريكم أبناء لبناني:

«هم الفلاحون الذين يحوّلون الوعر إلى حدائق وبساتين.

هم الرعاة الذين يقودون قطعانهم من دار إلى دار، فتنمو وتتكاثر وتعطيك لحومها غذاء وصوفها رداء.

هم الكرّامون الذين يعصرون العنب خمرًا ويعقدون الخمر دبسًا.

هم الآباء الذين يربّون أنصاب التوت، والأمهات اللواتي يغزلن الحرير.

هم الرجال الذين يحصدون الزرع، والزوجات اللواتي يجمعن الأغمار.

هم البناءون والفخّارون والحائكون وصانعو الأجراس والنواقيس.

هم الشعراء الذين يسكبون أرواحهم في كئوس جديدة، وهم شعراء الفطرة الذين ينشدون العتابا والمغنى والزجل.

هم الذين يغادرون لبنان وليس لهم سوى حماسة في قلوبهم وعزم في سواعدهم، ويعودون إليه وخيرات الأرض في أكفّهم وأكاليل الغار على رءوسهم».

البدائع والطرائف

تلك البقعة من الأرض، بما فيها من عرى شخصية ومن روابط مع السلف، أحبها جبران أن تكون مثواه الأخير. لقد كانت أرض بشري وأهلها والمناطق التي تزنرها غابة الأرز مهبط وحي جبران. ولم يكن خفيًا أنه كان يريد أن يعود إلى أولئك الناس وإلى تلك الربوع ولم يكن خفيًا كذلك أنه كان يريد أن يبقى هناك إلى الأبد. وهكذا يقضي جبران وهو في الثامنة والأربعين من عمره. وكانت وفاته في العاشر من أبريل سنة 1931 في نيويورك. بعد أربعة أشهر تنقل رفاته إلى لبنان،وفي الحادي والعشرين من أغسطس تصل إلى مرفأ بيروت، ويحتمل التابوت الذي حوى رفاته إلى مسقط رأسه، إنه ليوضع على نعش منحوت وإنه ليودع في ذلك القبر الصغير (في كنيس مار سركيس، وهي دير قديم وعر مظلم قدّ من جانب الجبل على مقربة من بشري ومن البيت الذي ولد فيه. ها هي شجرات الأرز القوية حوله تردد كلماته في جلال أخرس:

«الأرز على صدرك وسام شرف أثيل، والأبراج حولك تروي بطشك واقتدارك يا حبيبي». (دمعة وابتسامة).وهكذ يختار جبران لبنان العودة إلى «الأرز في جنة الله وإلى بشري عينها حيث بدأت رحلة الحياة القصيرة. وكما قال في «النبي»:

فقد وصل الجدول إلى البحر، وأتيح للأم العظيمة أن تضم ابنها إلى صدرها مرة ثانية.

======================================== ابو حبيبه العتمونى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://apoismail.yoo7.com
 
جبران.. شجرة الأرز السامقة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ابو اسماعيل المصرى :: الفئة الأولى :: منتدى ابوحبيبه :: القسم الادبى :: علماء وادباء وشعراء-
انتقل الى: